شركة أسس الوقاية
حلول قانونية حوكمة متكاملة
تخطي الروابط

تعارض المصالح في مجالس الإدارة: مسؤولية قانونية أم خلل تنظيمي؟

تعتبر تعارض المصالح (Conflict of Interest) من القضايا المحورية في حوكمة الشركات الحديثة، خاصة على مستوى مجالس الإدارة. فهي حالة قد تعرض نزاهة القرارات الإدارية للخطر حين تتداخل المصلحة الشخصية لأحد أعضاء المجلس مع مصلحة الشركة التي يديرها. كثيرًا ما يُثار التساؤل حول ما إذا كان تعارض المصالح مجرد خلل تنظيمي يمكن معالجته داخليًا، أم أنه مسؤولية قانونية تستوجب المحاسبة وفق الأنظمة. في هذا المقال نستعرض مفهوم تعارض المصالح، وأبرز صوره داخل مجالس إدارات الشركات السعودية، والأحكام النظامية ذات العلاقة (مثل نظام الشركات ولائحة الحوكمة)، والفروق بين كونه خللًا إداريًا أو مخالفة نظامية، إضافة إلى الآثار المترتبة على تجاهله، مع تقديم نماذج توضيحية واقعية أو افتراضية، وأخيرًا أبرز التوصيات والضوابط لمنع حدوثه. .

تعريف تعارض المصالح

يمكن تعريف تعارض المصالح بأنه الوضع الذي تتعارض فيه مصلحة شخصية لفرد مع المصلحة المهنية أو الأمانة التي يتحمّلها في منصبه. بمعنى آخر، يحصل تعارض المصالح عندما يكون الشخص (أو الجهة) في موقع يتيح له استغلال سلطاته أو معلوماته لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة العامة أو مصلحة المؤسسة. في سياق مجالس الإدارة، يشير هذا المفهوم إلى أن عضو مجلس الإدارة قد تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في قرار معين، مما قد يؤثر على حياده واستقلالية حكمه عند اتخاذ القرارات لصالح الشركة. ومن المبادئ الأساسية لحوكمة الشركات أن يتحلّى عضو المجلس بواجب الولاء والنزاهة، بحيث يغلّب مصلحة الشركة والمساهمين على أي مصلحة شخصية. لذا فإن وجود تعارض في المصالح يهدد هذا المبدأ، إذ قد يدفع العضو إلى اتخاذ قرارٍ منحاز لمنفعته الخاصة أو لمنفعة جهة أخرى مرتبطة به، بدلاً من تحقيق أفضل مصلحة للشركة.

تجدر الإشارة إلى أن تعارض المصالح لا يعني بالضرورة حدوث فساد مالي بشكل صريح؛ فقد ينشأ التعارض بحكم طبيعة العلاقات والأدوار المتشابكة أحيانًا. لكن خطورة تعارض المصالح تكمن في إمكانية تقويض الثقة في قرارات مجلس الإدارة، وخلق انطباع بأن بعض القرارات قد لا تكون في مصلحة الشركة، بل لتحقيق مصالح شخصية. لهذا السبب تولي الأطر التنظيمية والحوكمة اهتمامًا كبيرًا لرصد حالات التعارض ومنع تفاقمها، لضمان نزاهة عملية اتخاذ القرار وشفافية الإجراءات داخل الشركة.

أبرز صور تعارض المصالح داخل مجلس الإدارة

تتعدد أشكال وصور تعارض المصالح التي قد يواجهها أعضاء مجالس الإدارة في الشركات، وخاصة في البيئة السعودية. من أبرز هذه الصور:

  • مصلحة شخصية في عقد أو صفقة مع الشركة: أن يكون عضو مجلس الإدارة طرفًا (بشكل مباشر أو غير مباشر) في عقد أو تعامل تجاري مع الشركة التي يديرها. على سبيل المثال، قد يكون عضو المجلس مالكًا أو شريكًا في شركة تورّد مواد أو تقدم خدمات للشركة التي يشرف على إدارتها في مثل هذه الحالة، قد يميل العضو إلى تفضيل عقد الشركة مع مؤسسته الخاصة – ربما بشروط وأسعار أفضل له – على حساب مصلحة الشركة الأم التي يتولى إدارتها. هذه الصورة من التعارض تُعرف أحيانًا بـ”تداخل المصالح التجارية” أو Self-Dealing، وهي من أكثر الحالات شيوعًا وتتطلب رقابة شديدة.
  • منافسة أعمال الشركة أو استغلال الفرص لصالحه: أن يشارك عضو مجلس الإدارة في نشاط تجاري منافس لنشاط الشركة، أو أن يستغل فرصة استثمارية عُرضت على الشركة لتحقيق مصلحة شخصية. على سبيل المثال، قد يقوم عضو مجلس إدارة شركة عقارية بالدخول بشكل شخصي في مشروع تطوير عقاري كان من المفترض أن تستفيد منه شركته. مثل هذا العضو وضع نفسه في موضع منافس لشركته مستغلًا معلومات وفرص حصل عليها بحكم موقعه. هذا النوع من التعارض يُعرّض مبدأ الولاء للخطر، لأن العضو هنا ينافس شركته أو يحرمها من فرصة ربح محتملة.
  • المحسوبية وتعيين الأقارب أو التعامل مع شركاتهم: استخدام نفوذ العضوية لتقديم مصالح المقربين. كأن يسعى عضو مجلس الإدارة إلى توظيف قريب له في منصب تنفيذي مرموق في الشركة دون مراعاة مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، أو أن يوجه الشركة للتعامل مع مورد أو مقاول يخص أحد أفراد عائلته. في هذه الحالة، ينشأ تعارض المصالح من أن القرار لا يُتخذ لصالح الشركة الموضوعي، بل يتأثر بعلاقات شخصية أو عائلية (وهو ما يُعرف بالعامية بالـ”محسوبية” أو Nepotism). هذا قد لا يشكّل مخالفة قانونية صريحة إذا تم ضمن الصلاحيات، ولكنه بالتأكيد يُعد خللًا في الحوكمة وسوء إدارة لموارد الشركة.
  • تلقي الهدايا أو المزايا من أطراف ذات علاقة: قبول عضو مجلس الإدارة هدايا ثمينة أو عمولات أو مزايا خاصة من موردين أو عملاء أو أي طرف تتعامل معه الشركة. هذا الوضع يوقع العضو في شبهة الانحياز عند اتخاذ قرارات تتعلق بذلك الطرف. فمثلًا، إذا قدّم مورد ما هدية قيّمة لعضو مجلس الإدارة أثناء تفاوضه مع الشركة على عقد توريد، فقد يضع ذلك العضو في موقف تضارب بين رغبته (الواعية أو غير الواعية) في مجاملة المورد مقابل واجبه في اختيار أفضل عرض للشركة. لهذا تمنع كثير من السياسات الداخلية قبول أي هدايا تتجاوز قيمة رمزية، حفاظًا على موضوعية القرارات.
  • استغلال أصول الشركة ومعلوماتها: أن يستخدم عضو مجلس الإدارة أصول الشركة أو معلوماتها السرية لتحقيق مصلحة له أو لشركة أخرى يرتبط بها. فقد يستفيد العضو من معلومات داخلية حول خطط الشركة أو أوضاع السوق لاتخاذ قرارات استثمار شخصية (وهذا قريب من التداول بناءً على معلومات داخلية في سوق الأسهم)، أو قد يستخدم موارد الشركة (مثل الموظفين أو الممتلكات) لصالح مشروعه الخاص. مثل هذه الممارسات تضر بالشركة مباشرة، لأنها تستنزف مواردها أو تنتهك سرية معلوماتها لتحقيق منفعة خاصة.

هذه بعض أبرز الأمثلة العملية التي توضح مفهوم تعارض المصالح ضمن مجالس الإدارة. وكلما كبرت الشركة وتشعبت أنشطتها، زادت احتمالات وقوع مثل هذه التعارضات، لذا تغطي الأنظمة السعودية معظم هذه الحالات بنصوص صريحة لضمان التعامل الشفاف معها كما سنوضح فيما يلي.

الأحكام النظامية ذات العلاقة بتعارض المصالح

حرص النظام السعودي على تنظيم مسألة تعارض المصالح في الشركات بشكل واضح وصارم، إدراكًا لما يشكله هذا الأمر من خطورة على نزاهة قرارات مجالس الإدارة وحماية حقوق المساهمين. نظام الشركات السعودي (الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/132 لعام 2022 مثلًا) تضمن أحكامًا صريحة تلزم أعضاء مجلس الإدارة بتجنب حالات تعارض المصالح والإفصاح عنها والحصول على الموافقات النظامية اللازمة. من أبرز ما يقرره نظام الشركات حيال مجالس الإدارة:

  • حظر مصلحة العضو في عقود الشركة إلا بإذن: لا يجوز لعضو مجلس الإدارة أن تكون له أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، إلا بترخيص (مسبق) من الجمعية العامة للمساهمين أو الشركاءlaws.boe.gov.sa. وهذا يعني أنه إذا كان هناك عقد ستبرمه الشركة مع جهة ما تربطها بعضو المجلس علاقة مصلحة، فعلى العضو الإفصاح عن ذلك والحصول على موافقة المساهمين (أو الشركاء) قبل إتمام العقد. وقد استثنى النظام السعودي بعض الحالات من هذا الحظر لتسهيل الأعمال شريطة الشفافية، مثل العقود التي تتم عبر منافسة عامة (مناقصة) وكان عرض عضو المجلس هو الأفضلlaws.boe.gov.sa، أو العقود الخاصة بالأمور الشخصية للعضو التي تتم بشروط مماثلة لما هو متاح لعامة المتعاملينlaws.boe.gov.sa. لكن بخلاف هذه الاستثناءات المحدودة، الأصل أن أي تعارض مصالح محتمل في عقود الشركة يستوجب إفصاحًا وترخيصًا صريحًا.
  • حظر منافسة الشركة دون تصريح: يُمنع على عضو مجلس الإدارة أن يمارس أي نشاط تجاري ينافس نشاط الشركة أو أن يشترك في عمل من شأنه منافستها، إلا بإذن أو ترخيص من الجمعية العامة أيضًاlaws.boe.gov.sa. وهذا الحكم يهدف لضمان أن أعضاء المجلس يكرسون جهودهم وولاءهم لصالح الشركة ولا يستغلون مناصبهم أو معلوماتهم لمصلحة مشاريعهم الخاصة في نفس المجال. ترخيص المساهمين قد يكون مؤقتًا أو يجدد سنويًا وفق ما يراه المساهمون مناسبًا. وفي حال عدم الحصول على هذا الترخيص ومضي العضو في منافسة الشركة، يحق للشركة مطالبة العضو بتعويض مناسب عن الأضرار الناشئةlaws.boe.gov.sa.
  • منع استغلال أصول الشركة وفرصها: شدد النظام أيضًا على أنه لا يجوز لعضو مجلس الإدارة استغلال أصول الشركة أو معلوماتها أو الفرص الاستثمارية التي تتاح له بصفته عضو مجلس لتحقيق مصلحة شخصيةlaws.boe.gov.sa. هذا النص يُغطي حالات قيام العضو باقتناص فرصة كانت موجهة للشركة أو استخدام موارد الشركة بشكل غير مشروع لمنفعته. مخالفة ذلك تُعد تعديًا على حقوق الشركة ويمكن أن تواجه بإجراءات قانونية.
  • واجب الإفصاح والامتناع عن التصويت: ألزمت الأنظمة عضو مجلس الإدارة صاحب المصلحة بالإفصاح لمجلس الإدارة عن طبيعة مصالحه في أي عمل أو عقد يُعرض على المجلس، ويثبت هذا الإفصاح في محضر الاجتماع. كما لا يجوز للعضو ذو المصلحة المشاركة في التصويت على القرار داخل المجلس أو في الجمعية العامة بشأن العقد أو المعاملة محل التعارضmaaal.com. هذا الشرط أساسي لضمان أن من لديه مصلحة لا يؤثر على قرار الموافقة من عدمها، ويترك الأمر لبقية أعضاء المجلس أو المساهمين للبت فيه بشكل موضوعي. وقد أكدت لائحة حوكمة الشركات على هذا المبدأ بشكل واضح، حيث تنص على عدم إشراك العضو صاحب التعارض في المداولات والتصويت في الموضوعات التي يوجد له مصلحة فيهاmaaal.com.

بالإضافة إلى نظام الشركات، أصدرت الجهات التنظيمية في السعودية لوائح مكملة تعزز حوكمة تعارض المصالح. لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية (الخاصة بالشركات المساهمة المدرجة) وضعت إطارًا أكثر تفصيلًا لضمان التعامل الفعال مع تعارض المصالح. من أبرز متطلبات لائحة الحوكمة: وضع سياسة مكتوبة لمعالجة حالات تعارض المصالح الفعلية والمحتملة لكل من أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، على أن تشمل تلك السياسة أمثلة توضيحية للحالات وإجراءات الإفصاح عنها والحصول على الموافقات اللازمةmaaal.com. كما شددت اللائحة على التحديث المستمر لتلك الإفصاحات والإلزام بالإفصاح الدوري عن أي وضع قد ينشأ عنه تعارض مصالح. ويلتزم مجلس الإدارة بحسب اللائحة بمراقبة الالتزام بهذه السياسة وتنفيذهاmaaal.commaaal.com. كذلك تتطلب لائحة الحوكمة من أي شخص يرشح نفسه لعضوية مجلس الإدارة أن يفصح للجهة المختصة وللجمعية العامة عن أي حالة تعارض مصالح قائمة أو محتملة قبل انتخابهmaaal.com، لضمان شفافية منذ البداية. كل هذه الضوابط النظامية تجعل التعامل مع تعارض المصالح في الشركات مزيجًا من الالتزام القانوني والإجرائي الذي لا يمكن التهاون فيه.

من المهم الإشارة إلى أن مخالفة تلك الأحكام ليست مجرد إخلال أخلاقي، بل ترتب مسؤولية قانونية صارمة. فمثلاً، يمنح نظام الشركات الحق للشركة (أو المساهمين) في حال اكتشاف عقد أو صفقة تمّت بدون إفصاح أو ترخيص وفقًا للنظام، أن تتجه إلى القضاء لطلب إبطال العقد وإلزام العضو برد أي أرباح أو منافع حققها من وراء ذلكlaws.boe.gov.sa. وبشكل عام، تقرر الأنظمة السعودية مبدأ مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة التضامنية عن تعويض الشركة أو المساهمين عن أي ضرر يلحق بهم نتيجة إساءة استعمال السلطة أو مخالفة النظام. وبذلك يتضح أن تعارض المصالح في مجلس الإدارة ليس أمرًا اختيارياً يمكن التغاضي عنه، بل هو التزام نظامي وأخلاقي يجب مراعاته بحذر، وإلا واجه العضو والشركة تبعات جدية.

الفرق بين الخلل الإداري والمخالفة النظامية

يطرح عنوان المقال تساؤلًا جوهريًا: هل يعد تعارض المصالح الذي قد يحدث داخل مجلس الإدارة مجرد خلل إداري (أي مشكلة تنظيمية داخلية في أسلوب الإدارة)، أم يُصنّف كـمخالفة نظامية ترتبط بانتهاك القوانين واللوائح؟ الواقع أن الإجابة مركّبة وتستلزم فهمًا لطبيعة الحالة المحددة وكيفية التعامل معها.

من ناحية، يمكن أن ينشأ تعارض المصالح بصورة طبيعية أو غير متعمدة نتيجة تشابك المصالح والأدوار، وهذا في حد ذاته يعتبر خللًا إداريًا أو تنظيميًا إذا لم يُحسن مجلس الإدارة التعامل معه. مثل هذا الخلل يظهر عندما تفتقر الشركة إلى سياسات واضحة أو ثقافة مؤسسية تتوقع من أعضاء المجلس الإفصاح والامتناع عن التصويت عند وجود شبهة تعارض، أو عندما لا يكون هناك رقابة كافية من بقية الأعضاء أو المساهمين. على سبيل المثال، إذا قام أحد أعضاء المجلس بتعيين قريب له في منصب تنفيذي دون إخطار مسبق لبقية الأعضاء أو التأكد من كفاءته مقارنة بالمرشحين الآخرين، فقد لا يكون هناك نص نظامي صريح يُجرّم هذا الفعل بذاته، لكنه يمثل خللًا إداريًا وإخفاقًا في تطبيق معايير الحوكمة السليمة. في هذه الحالة، الضرر قد يكون غير مباشر ويتمثل في انخفاض معنويات الموظفين الأكفاء أو تراجع الثقة في عدالة قرارات المجلس، رغم عدم وجود مخالفة قانونية مباشرة.

لكن من ناحية أخرى، قد يتحول الخلل الإداري إلى مخالفة نظامية صريحة إذا تجاوزه العضو أو المجلس إلى انتهاك نصوص ملزمة في القوانين واللوائح. فحين يفرض نظام الشركات مثلاً الإفصاح والترخيص لأي عقد فيه مصلحة لأحد أعضاء المجلس، فإن تجاهل هذا الإجراء أو إخفاء المعلومة يمثل مخالفة نظامية واضحة. وبموجب القانون، يكون العضو قد أخلّ بالتزام قانوني صريح، مما يعرّضه للمساءلة والعقاب. كذلك الحال في منافسة الشركة بعمل مشابه دون تصريح؛ هذا ليس مجرد سوء تقدير إداري، بل خرق للنظام يجيز للشركة طلب التعويض عن الضررlaws.boe.gov.sa. إذًا الفرق الجوهري يكمن في وجود النص النظامي من عدمه وفي مدى الامتثال للإجراءات الواجبة: إذا وقع التعارض ضمن حدود النظام (أي تم الإفصاح عنه ومعالجته وفق اللوائح)، فهو وضع يمكن اعتباره “تحديًا إداريًاManaged” لكنه ليس مخالفة؛ أما إذا تجاهل العضو أو الشركة تلك القواعد، فالخلل يتحول إلى مخالفة نظامية تستوجب المحاسبة.

يمكن القول إن تعارض المصالح يبدأ كحالة ينبغي إدارتها وضبطها إداريًا، لكنه قد ينتهي إلى مسؤولية قانونية إن لم يُحسن التعامل معه. فكلا الجانبين متداخلان: الإطار التنظيمي الداخلي (سياسات وإجراءات الحوكمة) يتكامل مع الإطار القانوني الخارجي (القوانين واللوائح) لضمان السيطرة على حالات التعارض. الشركة الرشيدة هي التي لا تكتفي بتجنب خرق القانون فحسب، بل تسعى أيضًا لتفادي أي مظاهر للخلل الإداري في هذا المجال، لأن سمعة الشركة وصحة بيئة العمل مهمة بقدر أهمية تجنب العقوبة. وفي النهاية، الالتزام الطوعي من قبل أعضاء المجلس بقيم النزاهة والشفافية يتجاوز الحد الأدنى الذي تفرضه الأنظمة، فيضمن تجنب الشبهات أصلًا بدلًا من الوقوع في المحظور القانوني.

الآثار المحتملة لتجاهل تعارض المصالح

إن تجاهل أو التهاون في معالجة حالات تعارض المصالح داخل الشركة قد يقود إلى عواقب وخيمة على عدة أصعدة. فيما يلي أبرز الآثار السلبية المحتملة عند إهمال تعارض المصالح وعدم تصحيحه:

  • تآكل ثقة المساهمين والمستثمرين: الثقة هي حجر الأساس في علاقة الشركة بمساهميها وبالمستثمرين المحتملين. عندما يلحظ المساهمون أن قرارات مجلس الإدارة قد تكون موجّهة بمصالح شخصية لبعض الأعضاء، فإن ذلك يؤدي إلى تزعزع الثقة والمصداقية. قد يشعر المستثمرون أن أموالهم وحقوقهم ليست في أيدٍ أمينة، فيحجمون عن زيادة استثماراتهم أو قد يلجؤون إلى سحبها. وبالمثل، تتضرر صورة الشركة أمام الدائنين والجمهور عمومًا إذا شاع أنها لا تلتزم بمعايير الشفافية في إدارتها.
  • قرارات غير رشيدة وتكبّد الشركة خسائر: تعارض المصالح يُفضي غالبًا إلى قرارات دون المستوى الأمثل، لأن العضو المتعارض قد يؤثر على القرار بحيث يخدم مصلحته لا مصلحة الشركة. هذا قد يعني اختيار موردين أعلى كلفة أو أقل جودة إرضاءً لعلاقاته، أو تفويت فرص استثمارية مربحة لأن عضوًا معينًا استفاد منها شخصيًا بدلًا من الشركة. النتيجة الطبيعية هي خسائر مالية مباشرة أو غير مباشرة للشركة، سواء عبر ارتفاع التكاليف، أو انخفاض الإيرادات، أو ضياع فرص النمو. وعلى المدى الطويل، يؤثر ذلك على أداء الشركة التنافسي في السوق.
  • التعرض للمساءلة القانونية والغرامات: كما أسلفنا، الكثير من حالات تعارض المصالح يحكمها القانون. تجاهل هذه الأحكام (مثل عدم الإفصاح عن مصلحة في عقد أو الإقدام على منافسة غير مشروعة) قد يُعرّض الشركة وأعضاء مجلس الإدارة المعنيين إلى عقوبات تنظيمية وقانونية. الجهات الرقابية – كوزارة التجارة وهيئة السوق المالية – قد تفرض غرامات مالية أو جزاءات إدارية (مثل الإنذار أو الفصل من مجلس الإدارة) على المخالفين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يواجه العضو المخالف دعاوى قضائية من المساهمين أو من الشركة نفسها تطالب بتعويضات عن الضرر اللاحق. هذه التطورات لا تضر ماليًا فقط، بل تستهلك أيضًا وقت الإدارة في أروقة المحاكم وجهدها الذي كان الأولى توجيهه لتنمية الأعمال.
  • إضعاف ثقافة الشركة وانتشار الفساد: عندما يتم التساهل مع تضارب المصالح، أو يتم تطبيع بعض الممارسات غير الأخلاقية لأن أصحابها من أصحاب النفوذ، فإن رسالة سلبية تُبث داخل المؤسسة. سيشعر الموظفون والمديرون بأن معايير العدالة والنزاهة غائبة، مما يُحبط العاملين المجتهدين ويدفع البعض ربما إلى تبني سلوكيات مشابهة من المحسوبية والالتفاف على المصلحة العامة. بمرور الوقت، قد تتحول بيئة العمل إلى ثقافة فاسدة ينعدم فيها الشعور بالمساءلة، ويصعب معها تطبيق الأنظمة حتى لو وُجدت. وهذا أخطر ما يمكن أن تواجهه الشركة داخليًا، لأنه يبدّد روح الفريق والقيم المؤسسية التي تُعد أساس النجاح المستدام.
  • آثار بعيدة المدى وقد تكون كارثية: في الحالات القصوى، يمكن لتجاهل تعارض المصالح أن يساهم في انهيار الشركة أو تعثرها. التاريخ مليء بأمثلة لشركات عملاقة سقطت بسبب سوء إدارة وفساد في قرارات مجالسها، وكان تضارب المصالح عاملاً مشتركًا في كثير من تلك الحالات , فقد أكدت دراسات عديدة أُجريت عقب الأزمات المالية العالمية أن غياب الالتزام الصارم بمبادئ الحوكمة – وعلى رأسها تجنب تضارب المصالح – كان له آثار مدمرة على بعض الشركات والمؤسسات وبعبارة أخرى، إهمال تعارض المصالح ليس مجرد خطأ يمكن تجاوزه، بل قد يكون قنبلة موقوتة تقضي على كيان الشركة بشكل مفاجئ عندما تنكشف حقيقة التجاوزات المتراكمة.

باختصار، تجاهل تعارض المصالح مخاطرة لا تحتملها الشركات الناجحة. فالكلفة التي تدفعها الشركة لقاء تعزيز ثقافة النزاهة والالتزام أقل بكثير من الكلفة التي قد تتحملها إن هي أهملت ذلك. ولهذا السبب، تسعى الشركات المهنية إلى استباق وقوع مثل هذه الحالات عبر سياسات وقائية وتدابير واضحة، بدلاً من الانتظار حتى تقع المشكلة وتعالجها بعد فوات الأوان.

نماذج توضيحية لتبسيط المفهوم

لتقريب الصورة بشكل أكبر للقارئ العام، نستعرض فيما يلي بعض الأمثلة التوضيحية (افتراضية لكنها واقعية السيناريو) لكيفية حدوث تعارض المصالح في مجالس الإدارة، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على القرار داخل الشركة:

  • مثال 1: عقد مع شركة يملكها عضو مجلس إدارة – لنفترض أن شركة مساهمة سعودية تعمل في قطاع التصنيع ترغب في شراء مواد خام. تقدم عدة موردين بعروضهم، ومن بينهم شركة يمتلك أحد أعضاء مجلس الإدارة فيها حصة كبيرة. إذا قام هذا العضو باستخدام نفوذه داخل المجلس لترسية العقد على شركته الخاصة دون الإفصاح عن مصلحته، فنحن أمام حالة تعارض مصالح واضحة. قد يدافع العضو بأن شركته قدمت العرض الأفضل، ولكن غياب الشفافية وإخفاء العلاقة يثير الشبهات. النتيجة المحتملة: حصول شركته على العقد بسعر أعلى من السوق أو بشروط تفضيلية، مما يحقق له ربحًا شخصيًا لكنه يضر الشركة والمساهمين. هذا النموذج يوضح لماذا تُصر الأنظمة على إفصاح العضو عن مصلحته وعدم مشاركته في التصويت على مثل هذه العقود – لضمان أن يكون اختيار المورد لمصلحة الشركة وحدها. في حالتنا هذه، إذا اكتشف المساهمون الأمر لاحقًا فقد يبطلون العقد ويحاسبون العضو المسؤول وفقًا للنظام.
  • مثال 2: استغلال فرصة استثمارية لصالح العضو – تخيّل شركة مدرجة في السوق المالية تعمل في التطوير العقاري. عُرضت على مجلس الإدارة فرصة شراء أرض إستراتيجية في موقع مميز وبسعر مغرٍ، بهدف إقامة مشروع مستقبلي مربح للشركة. أحد أعضاء المجلس تنبه لأهمية الأرض بشكل خاص، فقام بشكل استباقي وسري بشراء الأرض لحسابه الشخصي عبر شركة يملكها، قبل أن تتخذ الشركة قرارها. لاحقًا، عندما ناقش المجلس الفرصة وجد أنها لم تعد متاحة للشركة. هنا قام ذلك العضو باستغلال معلومة وفرصة جاءت إليه بصفته عضوًا في المجلس وحوّلها لمكسب خاص. هذا تعارض مصالح صارخ؛ فبدلاً من أن تربح الشركة من المشروع، استأثر العضو بالمكسب. وربما يعرض لاحقًا بيع الأرض للشركة نفسها بربح كبير! مثل هذا التصرف مخالف للنظام (الذي يمنع استغلال الفرص والمعلومات الداخلية) ويعتبر أيضًا خيانة للأمانة تجاه المساهمين. لو اكتُشف الأمر، سيكون العضو عرضة لإجراءات قانونية تشمل تعويض الشركة عن أي ربح حققهlaws.boe.gov.sa وربما مطالبته بإعادة الفرصة إن أمكن.
  • مثال 3: المحسوبية في التوظيف واتخاذ القرارات – نفترض شركة عائلية كبيرة تحولت إلى مساهمة مقفلة، وفيها يسيطر رئيس مجلس الإدارة الذي هو أيضًا مؤسس الشركة. قرر هذا الرئيس تعيين ابنه في منصب نائب المدير العام للشؤون المالية دون منافسة أو تقييم موضوعي، على الرغم من أن خبرة الابن حديثة وهناك مرشحين أكثر خبرة. باقي أعضاء المجلس قد يعترضون أو قد يوافقون مجاملةً نظرًا لنفوذ رئيس المجلس. في هذه الحالة، حتى لو لم يُنتهك قانون محدد (فمن صلاحيات مجلس الإدارة التعيين)، إلا أننا أمام خلل حوكمي واضح وتعارض مصالح كامن؛ فقرار التعيين لم يُتخذ بناءً على مصلحة الشركة حصراً بل تداخلت مصلحة شخصية عائلية. الأثر السلبي قد يظهر في أداء القسم المالي لاحقًا بسبب ضعف الخبرة، أو في إحباط مدراء آخرين أكفاء شعروا بالتهميش. هذا المثال يبرز نوعًا من تعارض المصالح الذي قد لا يعاقب عليه القانون بشكل مباشر ولكنه يمثل مشكلة تنظيمية قد تؤثر على عدالة القرارات وجودتها. الحل السليم كان سيكمن في طرح الوظيفة للمنافسة والامتناع عن تصويت رئيس المجلس على قرار توظيف قريبه، لضمان الحياد. ولو تكرر مثل هذا النهج في الشركة، فسيؤثر قطعًا على ثقافتها وأدائها.

هذه النماذج التوضيحية تعكس سيناريوهات محتملة في الواقع العملي. كثير من الشركات الناجحة تضع إجراءات استباقية لتفادي وقوع هذه الحالات أصلًا؛ فمثلًا لا تسمح بأن ينفرد عضو مجلس بترسية عقد إذا كان له أي ارتباط بالطرف الآخر، وتفرض وجود لجنة مراجعة لأي تعاملات مع الأطراف ذات العلاقة. كما تُنشئ بعض الشركات آليات لإبلاغ المجلس بأي استغلال غير مبرر للمعلومات الداخلية. المغزى من كل مثال أعلاه هو توضيح لماذا تعتبر تعارض المصالح قضية جوهرية: لأنها تمس نزاهة القرارات وعدالتها، ولأن انعكاساتها العملية ملموسة على مصالح الشركة ومساهميها.

أبرز التوصيات والضوابط لمنع حدوث تعارض المصالح في الشركات

في ضوء ما سبق، يتضح أن الوقاية هي أفضل السبل للتعامل مع تعارض المصالح. فيما يلي مجموعة من التوصيات والضوابط التي يُنصح بأن تتبناها الشركات (وخاصة مجالس الإدارة) لمنع أو على الأقل تقليل احتمالات حدوث تعارض المصالح، وضمان معالجته بالشكل السليم إن وقع:

  • إقرار سياسة مكتوبة وواضحة لتعارض المصالح: ينبغي على كل شركة اعتماد سياسة رسمية تعرّف حالات تعارض المصالح المحتملة وتضع إجراءات للتعامل معها. هذه السياسة يجب أن تكون مكتوبة ومعلنة لكافة المعنيين، وتتضمن أمثلة توضيحية للحالات (تناسب طبيعة نشاط الشركة) وإرشادات حول واجب الإفصاح والإجراءات التصحيحيةmaaal.com. وجود سياسة كهذه يرسل رسالة واضحة بثقافة الشركة ويزوّد الأعضاء والموظفين بدليل عملي يستهدي به عند حدوث أي لبس.
  • تعزيز مبدأ الإفصاح والشفافية: الإفصاح المبكر هو حجر الأساس لمعالجة تعارض المصالح. على جميع أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية الإبلاغ الفوري عن أي مصلحة شخصية (مباشرة أو غير مباشرة) في أي موضوع سيُطرح على المجلس أو في أي عقد أو مشروع للشركة. يجب توثيق هذه الإفصاحات رسميًا (مثلاً في محاضر الاجتماعات أو سجلات خاصة)، ومراجعتها دوريًا. كما يُستحسن أن تفصح الشركة في تقاريرها للمساهمين عن أي معاملات تمت مع أطراف ذات علاقة بأعضاء مجلس الإدارة ضمن إفصاحات الحوكمة.
  • عدم مشاركة العضو صاحب المصلحة في اتخاذ القرار: إذا تبين وجود حالة تعارض مصالح تخص أحد أعضاء المجلس، فيجب استبعاده تمامًا من عملية مناقشة الموضوع محل التعارض ومن التصويت عليهmaaal.com. هذا المبدأ منصوص عليه في اللوائح، واتباعه يضمن قدرًا عاليًا من الحياد. عمليًا، يمكن لرئيس مجلس الإدارة أن يطلب من العضو المعني مغادرة قاعة الاجتماع أثناء مناقشة البند المتعلق به، ويتم إثبات ذلك في المحضر. كذلك في الجمعيات العامة، يمتنع العضو صاحب المصلحة (إن كان مساهمًا أيضًا) عن التصويت على القرار ذي العلاقة. هذه الآلية البسيطة تحمي العضو نفسه من شبهات المحاباة، وتحمي القرار من التأثير غير الموضوعي.
  • مراجعة محايدة عبر لجان مستقلة أو الجمعية العامة: في الحالات الحساسة، يجب إحالة الأمر إلى جهة محايدة داخل هيكل الحوكمة. مثلًا، يمكن للجنة المراجعة (أو لجنة الحوكمة إن وجدت) دراسة الصفقة أو الموضوع الذي لدى أحد أعضاء المجلس مصلحة فيه، وترفع توصياتها للمجلس أو للجمعية العامة. وفي الشركات المساهمة، كثيرًا ما يُشترط موافقة الجمعية العامة على العقود التي لأعضاء المجلس مصلحة فيها، لضمان مشاركة جميع المساهمين في القرار وإضفاء شرعية عليه (كما يقتضيه نظام الشركات في بعض الحالات). هذه المراجعة المزدوجة تحدّ من فرص تمرير قرارات منحازة وتزيد من تعدد زوايا النظر للقرار.
  • زيادة دور الأعضاء المستقلين في المجلس: وجود نسبة كافية من أعضاء مجلس الإدارة المستقلين (الذين لا تربطهم بالشركة أو كبار المساهمين صلات قد تولّد تضارب مصالح) هو عنصر ضروري. فالأعضاء المستقلون غالبًا ما يكونون أكثر حيادًا وقدرة على تحدي القرارات المشوبة بمصلحة شخصية. يمكن تكليف المستقلين برئاسة لجان المراجعة أو الترشيحات والمكافآت لضمان موضوعية أكثر في متابعة ملفات كهذه. كلما كان صوت العضو المستقل قويًا في المجلس، كان بالإمكان فرملة أي توجهات مضرة نابعة من تضارب مصالح لدى الآخرين.
  • غرس ثقافة النزاهة والمساءلة: الجانب الأخلاقي والثقافي لا يقل أهمية عن الجانب الإجرائي. يجب على الإدارة العليا ومجلس الإدارة نشر قيم النزاهة والشفافية في الشركة بحيث تصبح جزءًا من ثقافة العمل. يمكن تنظيم ورش عمل توعوية ودورات تدريبية دورية حول أخلاقيات العمل وتعارض المصالح لجميع المستويات. كما يُفترض توفير قنوات آمنة تمكن الموظفين وحتى أصحاب المصلحة الخارجيين من الإبلاغ عن أي شبهة تضارب مصالح أو سلوك غير نزيه بدون خوف من انتقام (نظام الإبلاغ الداخلي أو الـWhistleblowing). وعندما يتم اكتشاف حالة مخالفة، يجب محاسبة المسؤولين بشكل مناسب ليكون عبرة ويعزز الثقة بأن الشركة جادة في تطبيق سياستها.
  • المتابعة والتقييم المستمر: أخيرًا، لا بد من مراجعة دورية لفعالية الضوابط والسياسات المتعلقة بتعارض المصالح. قد تستجد ظروف أو تظهر ثغرات لم تكن واضحة عند اعتماد السياسة أول مرة. لذا يمكن لمجلس الإدارة (أو لجنة الحوكمة) مراجعة سياسة تعارض المصالح سنويًا والتأكد من أنها مواكبة لأحدث التعديلات النظامية وأفضل الممارسات. أيضًا، متابعة تحديث إفصاحات أعضاء المجلس بشكل مستمر (مثلاً قبل كل اجتماع مجلس يطلب من الأعضاء تأكيد عدم وجود أي تعارض جديد في جدول الأعمال). هذا النهج الاستباقي يضمن أن الشركة ليست فقط متوافقة مع القواعد الحالية، بل مستعدة لأي تحديات مستقبلية في هذا المجال.

بتطبيق التوصيات أعلاه، تستطيع الشركات خلق بيئة حوكمة متينة تقل فيها احتمالات تضارب المصالح بشكل كبير. ولا شك أن الجهات التنظيمية في المملكة (مثل وزارة التجارة وهيئة السوق المالية) باتت تشجع وتلزم بالكثير من هذه الضوابط عبر القوانين واللوائح الصادرة، مما يوجب على الشركات الالتزام بها شكلاً ومضمونًا.

خاتمة

في النهاية، تعارض المصالح في مجالس الإدارة قضية متعددة الأبعاد، فهي مسؤولية قانونية صارمة من جهة، وخلل تنظيمي محتمل من جهة أخرى. لا يمكن الاكتفاء باعتبارها مجرد شأن داخلي بسيط، لأنها إذا تُركت دون ضابط قد تتحول سريعًا إلى مخالفات يعاقب عليها النظام وتضر بسمعة الشركة ومصالح مساهميها. في السياق السعودي الحالي، يتضح أن المشرّع والمنظم قد وضعوا أطرًا واضحة لتعزيز الشفافية ومنع تضارب المصالح، مما يعني أن أي تهاون في هذا الجانب قد يرتب تبعات قانونية جدية فضلًا عن الآثار السلبية إدارياً.

لكن في المقابل، الامتثال الحقيقي يتجاوز مجرد تجنب العقوبة القانونية إلى بناء ثقافة حوكمة رشيدة داخل الشركة. فالشركة التي يتبنى قادتها مبدأ النزاهة وستقيم معايير عالية لتجنب تضارب المصالح، ستجني ثمار ذلك في صورة ثقة أكبر من المستثمرين، وقرارات أكثر جودة وموضوعية، وبيئة عمل صحية تشجع على الأداء المتميز. إن المسؤولية القانونية والحوكمة التنظيمية وجهان لعملة واحدة في هذا الموضوع: الالتزام بالأنظمة والقوانين هو الحد الأدنى الضروري، ووجود الضمير المهني والحس بالمسؤولية هو ما يكمّل الصورة لضمان عدم إساءة استغلال السلطة الممنوحة لأعضاء مجلس الإدارة.

باختصار، تعارض المصالح مسؤولية الجميع في الشركة – مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والمساهمين والجهات الرقابية – والتعامل السليم معه يتطلب شفافية واستباقية ومحاسبة عادلة. حينها فقط نستطيع القول أن الشركة نجحت في تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز الثقة وبناء ثقافة عمل قائمة على الأمانة والعدل، مما يمهد لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وتنمية أعمالها بشكل مستدام وخالٍ من الشوائب.

اترك تعليقا

arArabic